فصل: تفسير الآيات (94- 97):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما آية الجاثية فتقدم قبلها بسط الدلالة والبراهين من لدن قوله تعالى: {إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين} إلى ما تبع هذا من التنبيه بخلقها وما بث سبحانه فيهما من أصناف المخلوقات واختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وإنزال الرزق من السماء وإحياء الأرض بعد موتها بما ينزل من الرزق اليها وتصريف الرياح ثم ذكر سبحانه أن هذه الآيات إنما يعتبر بها ويهتدى بأنوارها من منحه الله تعالى العقل وهذاه إلى الاعتبار فقال: {آيات لقوم يعقلون} ولم يرد ذكر هذه الجملة للاعتبار بها في موضع من كتاب الله تعالى أوعب منها في هذه السورة وفى سورة البقرة وهى هناك أوعب لذكر الفلك وجريها في منافع العباد وتسخير السحاب بين السماء والأرض وذكر تصريف الرياح وقد أعقب ذكر هذه الآيات في الموضعين بقوله في سورة البقرة: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} الآية إشارة إلى كفار العرب وسوء مرتكبهم وتعاميهم عن الاعتبار والاستدلال مع وضوح الأمر إذ لا يقبل العقل تكون هذه المخلوقات العظام بأنفسها ولا أن بعضها أوجد بعضا لتساويها فيما قام من دلائل الحدوث فلابد من صانع مريد مختار قادر منزه عن شبه هذه الجملة والا لافتقر إلى موجد آخر وذلك يؤدى إلى التسلل وهو محال عقلا والإثنينية ممتنعة عقلا: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} فتعين توحيد الموجد الحق وانه ليس كمثله شيء ولما كان الاستدلال بهذه الجمل المفصلة أوضع شيء أتبعها سبحانه بقوله: {فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون} ولكونه أبسط ما ذكر به من خوطب بالقرآن ثم لم يجد ذلك في حق من سبق له الشقاء منهم الا المنافرة والمخالفة أعقبت بذكر من ترادفت وتوالت عليه الآيات وكثرت في حقه الشواهد ثم لم يعقبه ذلك الا الاختلاف والعدول عن سلوك المنهج الواضح وهم الممتحنون بالاختلاف من بنى إسرائيل فقال تعالى: {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن برك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} فاقتضى ذلك ما قدم من بسط الآيات وواضح ما خصه تعالى من واضح الدلالات في صدر هذه السورة بسط ما منحه بنو إسرائيل وما بين لهم مما أشار إليه قوله تعالى: {وآتيناهم بينات من الأمر} بعد ما ذكر ما أوتوه من الكاب والحكم وتوالى النبوة فيهم وكثرة الرسل منهم وما بسط لهم من الرزق وإدرار النعم فعتوا واعتدوا وقتلوا الأنبياء بغير حق لينفذ فيهم ما قدر على فاعلى ذلك منهم من ضرب الذلة والمسكنة ومسخهم قردة وخنازير ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم فلا يأتلف شملهم ولا تجتمع جماعاتهم إلى يوم القيامة ليعلم المعتبرون بالآيات أنه لا يجرى على أحد الا سابق سعادة ان قدرت له الا ان الانقياد للاعتبار والاذعان لموجب الدلالات عنوان رجاء والمنافرة لذلك عنوان مشقة وهما شاهدا حال والشأن كله في الخواتم والكتاب والسنة موضحان لهذا الإجمال.
ولما لم يكن تقدم آية سورة يونس من الدلالات مثل ما بسط في سورة الجاثية من الاعتبار لما يناسبه الواقع في الجاثية من الاطناب فنوسب الإيجاز بالايحاز والاطناب بالاطناب وجاء كل على ما يجب ويناسب مع اتحاد الممقصود في السورتين. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أذْلَلْنَا لهم الأيام، وأكثرنا لديهم الإنعامَ، وأكرمنا لهم المقامَ، وأتَحْنَا لهم فنونَ الحسناتِ، وأدَمْنَا لهم جميع الخيراتِ... فلمَّا قابلوا النعمة بالكفران، وأصَرُّوا على البَغْيِ والعدوان أذقناهم سوءَ العذاب، وسَدَدْنا عليهم أبوابَ ما فتحنا لهم من التكريم والإيجاب، وذلك جزاءُ مَنْ حَادَ عن طريق الوفاق، وجَنَحَ إلى جانب الشَّقِاق. اهـ.

.تفسير الآيات (94- 97):

قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ما مضى- من الآيات هذه السورة المبينة أن من أريدت شقاوته لا ينفعه مشاهدة الآيات- سببًا لنفي الشك عنها وإثبات اليقين بمضامينها بما سلف من الأدلة على تلك المضامين غلى أن ختم ذلك بذم من عمل عمل الشاك بعد أن جاء ما يوجب اليقين من العلم، وكان صلى الله عليه وسلم كما مضى في آخر التي قبلها أشفق الخلق لاسيما على العرب لاسيما على قومه منهم، وكانت الوصية قد برزت من الجناب الإلهي له بما يوافق طبعه من بذل الجهد في ملاطفتهم، كان ذلك جديرًا بأن يحرك طبع البشر لتمني الإجابة لما يقترحون، وكان طلب ذلك بعد الفطام عنه من أفعال الشك في الجملة فأريد صرف النفس عنه بالكلية ولو بالخطور في البال فقيل مسببًا عما قبله: {فإن كنت} أي يا أرحم الخلق: {في شك} ولم يرد بهذا الكلام حقيقته- والله أعلم- بل تقوية اليقين وتأكيده ورسوخه وتأييده بأن هذا أمر قد عزم عليه وفرغ منه فلا يحتمل مراجعة، وذلك لأن المعنى أن ثباتهم على الشقاوة أمر لا يعلم إلاّ من قبلنا، وذلك بأحد أمرين: إما بواسطة الأمين جبرئيل بما يأتي به من الوحي عنا غضًا طريًا محفوظًا من الغير فلا تحريف فيه ولا تبديل، وإما بواسطة أهل الكتاب عن أنبيائهم- وفي ذلك نزول درجتين مع تجويز التخويف والتبديل، وهذا ما لا يرضاه ذو همة علية ونفس أبية- فالمعنى: أنا قد أخبرتك بأن الآيات لا تزيد المقضي بشقائه إلاّ ضلالًا وأنا خبير بذلك: {ولا ينبئك مثل خبير} فلا تطلب إجابتي إياهم إلى ما يقترحون عليك رجاء إيمانهم فإنهم لا يؤمنون بذلك: {فإن كنت} أي في وقت من الأوقات: {في شك} أي ولو قل: {مما أنزلنا} أي بعظمتنا واصلًا على لسان الواسطة: {إليك} في ذلك: {فسئل} أي بسبب ذلك الشك: {الذين يقرءون} أي متتابعين لذلك: {الكتاب} أي السماوي من اليهود والنصارى، فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزلنا إليك على حد عظيم.
ومن آمن منهم أو كان منصفًا جدير بأن يزداد من فاوضه في ذلك إيمانًا؛ ولما كانوا بعض من أوتي الكتاب في الزمن السالف، أثبت الجار فقال: {من قبلك} وهم عن ذلك الخبر بمراحل، فلا تجنح إلى سؤال غيري، وهذا مضمون قوله تعالى مؤكدًا آتيًا بحرف التوقع لأن كلًا من الأمرين في أحق مواضعه: {لقد جاءك الحق} أي الثابت الكامل ثباته وهو إمضاء العدل فيهم؛ وزاده تشريفًا وترغيبًا فيه بقوله: {من ربك} أي المحسن إليك باصطفائك لذلك، فلذا سيق مساق البيان له من غير واو، فإذا ثبت أنه الحق أي الثابت أعلى الثبات تسبب عنه البعد من تزلزل من جاءه، فناسب اتباعه بقوله: {فلا تكونن} أكده لأنه حقيق بأن لا ينثني عنه أحد بوجه من الوجوه: {من الممترين} أي الغافلين عن آيات الله فتطلب الفضل لأهل العدل؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله! ما شك طرفة عين ولا سأل أحدًا منهم.
ولما نهى عن ذلك لم يبق مما اقتضته القسمة العقلية إلاّ العناد ممن يمكن منه كما فعل بنو إسرائيل بعد مجيء العلم فأتبعه النهي عن مثل حالهم بقوله: {ولا تكونن} أي بوجه من الوجوه، والمراد بهذا أتباعه: {من الذين كذبوا} أي فعلوا فعل المكذب مستهينين: {بآيات الله} أي التي لا أعظم منها بإضافتها إلى من لا أعظم منه: {فتكون} أي كونًا راسخًا: {من الخاسرين} بل اثبت على ما أنت عليه من اليقين والطمأنينة والثقة بالله والسكينة، وهذا ونحوه مما غلظت فيه العبارة دلالة على مزيد قرب المخاطب وإن كان المراد غيره وعظيم منزلته ولطيف خصوصيته كما مضى بيانه عن الإمام أبي الحسن الحرالي رحمه الله في سورة براءة عند قوله تعالى: {عفا الله عنك} [براءة: 43]- الآية، وتغليظ العبارة فيه تأديب عظيم لتابعيه؛ والشك: الوقوف بين النقيضين، وهو من شك العود فيما ينفذ فيه، لأنه يقف بذلك الشك بين جهتيه؛ والإنزال: نقل الشيء من علو إلى سفل؛ والامتراء؛ طلب التشكك مع ظهور الدليل، من مري الضرع وهو مسحه ليدر.
ولما كان ما مضى من هذه الآيات وما كان من طرازها قاضيًا بأنه لا تغني الآيات عنهم.
صرح به قوله تعالى: {إن الذين حقت} أي وجبت وثبتت: {عليهم} أي بأنهم أشقياء، وعبر بالاسم المفهم للإحسان إعلامًا بأنه ما أوجب عليهم العذاب إلاّ إحسانًا إليه بما يقاسي من معالجتهم وغير ذلك من الحكمة فقال: {كلمت ربك} أي المحسن إليك في جميع أمرك: {لا يؤمنون} أي لا قبول لهم لتجدد الإيمان: {ولو جاءتهم كل آية} ونسبتها إلى قوله: {لقد جاءك الحق} نسبة: {لقد جاءك الحق} إلى: {فإن كنت في شك} الآية في البيان المستفاد من حذف العاطف، وإذا كان الكلام في معنى واحد كان بمنزلة الكلمة الواحدة فسمي بها: {حتى يروا العذاب الأليم} أي حين لا ينفعهم الإيمان لفوات شرطه كما لم ينفع فرعون لذلك: {سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تحويلًا} [الأحزاب: 92]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}
اعلم أنه تعالى لما ذكر من قبل اختلافهم عند ما جاءهم العلم أورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ما يقوي قلبه في صحة القرآن والنبوة، فقال تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال الواحدي الشك في وضع اللغة، ضم بعض الشيء إلى بعض، يقال: شك الجواهر في العقد إذا ضم بعضها إلى بعض.
ويقال شككت الصيد إذا رميته فضممت يده أو رجله إلى رجله والشكائك من الهوادج ما شك بعضها ببعض والشكاك البيوت المصطفة والشكائك الأدعياء، لأنهم يشكون أنفسهم إلى قوم ليسوا منهم، أي يضمون، وشك الرجل في السلاح، إذا دخل فيه وضمه إلى نفسه وألزمه إياها، فإذا قالوا: شك فلان في الأمور أرادوا أنه وقف نفسه بين شيئين، فيجوز هذا، ويجوز هذا فهو يضم إلى ما يتوهمه شيئًا آخر خلافه.
المسألة الثانية:
اختلف المفسرون: في أن المخاطب بهذا الخطاب من هو؟ فقيل النبي عليه الصلاة والسلام.
وقيل غيره، أما من قال بالأول: فاختلفوا على وجوه.
الوجه الأول: أن الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام في الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] وكقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وكقوله: {ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] ومن الأمثلة المشهورة: إياك أعني واسمعي يا جاره.
والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه: الأول: قوله تعالى في آخر السورة: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في شَكّ مّن دِينِى} [يونس: 104] فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.
الثاني: أن الرسول لو كان شاكًا في نبوة نفسه لكان شك غيره في نبوته أولى وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية.
والثالث: أن بتقدير أن يكون شاكًا في نبوة نفسه، فكيف يزول ذلك الشك بأخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم في الأكثر كفار، وإن حصل فيهم من كان مؤمنًا إلا أن قوله ليس بحجة لاسيما وقد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة والإنجيل، فالكل مصحف محرف، فثبت أن الحق هو أن الخطاب، وإن كان في الظاهر مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد هو الأمة، ومثل هذا معتاد، فإن السلطان الكبير إذا كان له أمير، وكان تحت راية ذلك الأمير جمع، فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص، فإنه لا يوجه خطابه عليهم، بل يوجه ذلك الخطاب على ذلك الأمير الذي جعله أميرًا عليهم، ليكون ذلك أقوى تأثيرًا في قلوبهم.
الوجه الثاني: أنه تعالى علم أن الرسول لم يشك في ذلك، إلا أن المقصود أنه متى سمع هذا الكلام، فإنه يصرح ويقول: يا رب لا أشك ولا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب بل يكفيني ما أنزلته علي من الدلائل الظاهرة ونظيره قوله تعالى للملائكة: {أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] والمقصود أن يصرحوا بالجواب الحق ويقولوا: {سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} [سبأ: 41] وكما قال لعيسى عليه السلام: {أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} [المائدة: 116] والمقصود منه أن يصرح عيسى عليه السلام بالبراءة عن ذلك فكذا ههنا.
الوجه الثالث: هو أن محمدًا عليه الصلاة والسلام كان من البشر، وكان حصول الخواطر المشوشة والأفكار المضطربة في قلبه من الجائزات، وتلك الخواطر لا تندفع إلا بإيراد الدلائل وتقرير البينات، فهو تعالى أنزل هذا النوع من التقريرات حتى أن بسببها تزول عن خاطره تلك الوساوس، ونظيره قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12] وأقول تمام التقرير في هذا الباب إن قوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ} فافعل كذا وكذا قضية شرطية والقضية الشرطية لا إشعار فيها ألبتة بأن الشرط وقع أو لم يقع.
ولا بأن الجزاء وقع أو لم يقع، بل ليس فيها إلا بيان أن ماهية ذلك الشرط مستلزمة لماهية ذلك الجزاء فقط، والدليل عليه أنك إذا قلت إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة بمتساويين، فهو كلام حق، لأن معناه أن كون الخمسة زوجًا يستلزم كونها منقسمة بمتساويين، ثم لا يدل هذا الكلام على أن الخمسة زوج ولا على أنها منقسمة بمتساويين فكذا هاهنا هذه الآية، تدل على أنه لو حصل هذا الشك لكان الواجب فيه هو فعل كذا وكذا، فأما إن هذا الشك وقع أو لم يقع، فليس في الآية دلالة عليه، والفائدة في إنزال هذه الآية على الرسول أن تكثير الدلائل وتقويتها مما يزيد في قوة اليقين وطمأنينة النفس وسكون الصدر، ولهذا السبب أكثر الله في كتابه من تقرير دلائل التوحيد والنبوة.